تنبع أهمية صناعة النقل الجوي الدولي من الدور الرئيس الذي تلعبه تلك الصناعة في دفع عجلة اقتصادات الدول نحو التطور الفاعل الذي يسهم في زيادة دخلها القومي إلى جانب تأثيرها القوي في عملية التقدم الحضاري والاجتماعي الذي تنشده جميع الدول من أجل استقرارها ورفاهيتها وتقدمها . من نافلة القول أن صناعة النقل الجوي بطبيعة الحال ترتبط بمتغيرات مستمرة تتطلب خطاً موازياً من التفاعل والمواكبة سعياً لتحديث وتطوير هذا النشاط الإنساني الثر خاصة في مجالات الأمن والسلامة وحماية البيئة والاستفادة القصوى من التقنيات الحديثة من خلال تطويعها واستخدامها الأمثل في ترقية وتطوير كافة العناصر التي تدخل ضمن إطار منظومة صناعة النقل الجوي . في هذا السياق إذا أخذنا منطقة الخليج كمثال فنجد أن صناعة النقل الجوي تتمتع بمقومات قوية وفرص سانحة للتطور والتقدم والازدهار من حيث حجم التعداد السكاني إلى جانب وجود وضع اقتصادي مستقر نسبياً ومقومات سياحية جاذبة وموقع جغرافي متميز إلى غير ذلك من المحفزات .
دولة الإمارات المتحدة كإحدى دول المنطقة فهي انطلاقاً من تلك المقومات القوية تعد من الدول الرائدة في المنطقة في مجال الصناعة من خلال وجود بُنى تحتية قوية تضم شبكة من المطارات ذات المواصفات العالمية المزودة بأحدث خدمات التكنولوجيا الحديثة وعدد من شركات الطيران الوطنية التي تمتلك وتشغل أحدث أنواع الطائرات النفاثة وتستخدم أنظمة ملاحية وأمنية متطورة وقوانين وتشريعات مواكبة تنطوي على تطبيق المعايير العالمية والمواصفات القياسية في مجال صناعة النقل الجوي وقطاع الطيران المدني . بل إن دولة الإمارات العربية المتحدة باتت في الوقت الراهن تشكل مركزاً إقليماً مرموقاً في مجال الطيران المدني من خلال إقامة فعالية معرض دبي الدولي للطيران بشكل دوري فضلاً عن استضافة العديد من الندوات والمؤتمرات وورش العمل في مجال النقل الجوي .
في هذا السياق، وبوصفي إحدى المهتمات والمتخصصات في مجال النقل الجوي بصفة عامة والطيران الاقتصادي بوجه خاص، تعميماً للفائدة وإثراء للفهم في هذا المجال الثر النابض بالحياة فقد رأيت أن أتلمس وأستوحي من أطروحة الدراسات العليا التي نلت شرف الحصول عليها من جامعة ستي يونفرستي تحت عنوان الطيران منخفض التكاليف سلسلة من المقالات الصحفية بلغة أهل الصناعة علها تسهم في سبر غور مفهوم الطيران الاقتصادي الذي أثبت جدواه في السنوات الأخيرة في الكثير من أرجاء العالم وبات منافساً لايستهان به بعد أن تمكن من وضع مكانة مرموقة له على خريطة صناعة النقل الجوي رغم الحداثة النسبية له إذا ما قورن بالطيران التقليدي .
أول شركة طيران اقتصادي في منطقة الشرق كانت شركة العربية للطيران التي تأسست في سنة 2003 بإمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة وهي تعد الأولى في المنطقة، وبالتالي نستطيع أن نقول إن دولة الإمارات العربية المتحدة كان لها السبق والريادة في تدشين أول شركة طيران منخفض التكلفة على مستوى المنطقة، وأثبتت العربية للطيران نجاحاً منقطع النظير في فترة قياسية لوجود المقومات الأساسية وتوفر البيئة المحفزة، حيث يوجد فيها عدد كبير من العمالة الوافدة التي لم تتردد لحظة في الاستفادة من تقليل نفقات سفرها بالتحول وبشكل كبير إلى استخدام الطيران الاقتصادي، بل وتفضيله على الطيران التقليدي في الكثير من الأحايين . إن النجاح الكبير الذي لاقته شركة العربية للطيران كان هو الدافع الأساسي إلى قيام أو تأسيس العديد من الشركات من ذلك النمط في منطقة الشرق الأوسط نذكر منها على سبيل المثال شركة الجزيرة الكويتية طيران ناس وسما السعودية، شركة السعيدة اليمنية والبحرين إضافة إلى فلاي دبي والقائمة تترى .
في هذا الزخم الكبير لشركات الطيران الاقتصادي الذي أفضى إلى تمكنها من أخذ نسبة مقدرة من الحصة السوقية للسفر لم تجد شركات الطيران التقليدي الكبرى بداً لإعادة توازنها في السوق إلا أن تقوم هي نفسها بتأسيس شركات طيران منخفض التكاليف تابعة لها، وهذا المنحى يقودنا إلى نتيجة مفادها أن الطيران الاقتصادي قد نجح في جذب الكثير من الشرائح لما يمتاز به من محفزات كبيرة على رأسها توفير تذاكر سفر بأسعار مناسبة إن لم تكن زهيدة في معظم الأوقات مقارنة بأسعار التذاكر لدى شركات الطيران التقليدي مقابل التخلي عن تقديم بعض الخدمات مع الاحتفاظ بموجبات التنافس.